حركة التغيير ... بين المعارضة في اربيل والمشاركة في بغداد

Friday, 24/12/2010, 12:00

1451 بینراوە


حينما انبثقت حركة التغيير في كوردستان قبل عام ونصف , تنفست الجماهير العريضة في كوردستان الصعداء ومعها الكثيرين من أصحاب وحملة الفكر والقلم من التوًاقين لتأسيس مجتمع عصري يسوده النظام والقانون وتحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية التي من المؤمل ان تضمن حقوق المواطن الدستورية, وان تغير الكثير من مرتكزات وأسس الفساد و النخر والتفسخ الذي اعترى الهيكل التنظيمي والاداري والتي عصفت بالبنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في كوردستان , الأمر الذي بات يهدد حالة السلم الاهلي ومعها كل المكتسبات المتحققة بعد سقوط النظام والمعمّدة بدماء الآلاف من ابناء شعبنا المظلوم ...وعلى الرغم من بروز الكثير من المعوّقات و السلبيات التي رافقت حركة التغيير هذه ولا تزال بعضها ملتصقة بها الى الآن, والتي كان من ابرزها ميل ونشدان البعض من قياداتها الى تكرار تجربتها الستالينية في الاحزاب الكوردستانية واستنساخها بنموذج مغاير شكلا ومطابق مضمونا ...وعلى الرغم من انه كان من المفترض ان تنبثق هكذا حركة تأريخية حتمية من رحم الجماهير الكوردستانية العفوية نفسها , وليس من رحم احد الاحزاب المعروفة المتواجدة في الساحة(الاتحاد الوطني الكوردستاني) مثلا, حتى تصبح عملية التغيير تغييرا حقيقيا قلبا وقالبا لا ان تكون بدفع وضغط من خارج حركة الجماهير العفوية بل بمبادرة شخصية وغيوّرة من احد ابرز قياديي الاتحاد الوطني الكوردستاني آنذاك وهو السيد (نوشيروان مصطفى ) والذي كان قد ابدى امتعاضا ورفضا بًينا للمسار الخاطئ الذي سلكه الاتحاد خاصة في الفترة بعد الانتفاضة الجماهيرية التي حدثت عام 1991 , وبعد ان فشل في تحقيق ابسط الاصلاحات الممكنة داخل صفوف ذلك التنظيم مما دفعه ذلك الى الخروج منها والانزواء بعيدا , ومن ثم اعادة المحاولة من خارجها عسى ولعل الامر يكون اكثر نفعا وباقل الخسائر وباسرع الوتائر , وقد يكون ما جرى في بغداد العاصمة مشابها بعض الشي ابان حكم صدام ولكن مع بعض الفوارق الجوهرية طبعا ,حينما عجزت المعارضة العراقية ومعها شرائح واسعة من الشعب العراقي في اجراء التغيير المطلوب داخليا والتي كانت في الحقيقة مهمة شبه مستحيلة وبالتالي اضطرت لقبول ذلك و بمساعدة من قبل القوى الخارجية , والتي كانت نتيجتها ازاحة النظام ولكن مهمة تأسيس مجتمع عراقي يسوده العدالة الاجتماعية ودولة القانون وحقوق المواطن كانت ولا تزال المهمة الاكثر عسرا والاصعب تحقيقا على ارض الواقع لاختلاف حسابات الحقل والبيدر بشكل واضح.....وعند اعلان انبثاق حركة التغيير عشية الانتخابات التشريعية في اواسط عام 2009 , وقرارها الجرئ في خوضها رغم العراقيل المتوقعة من قبل الحزبين الحاكمين, استبشرت جماهير كوردستان بالحدث الجلل الذي احدث وبحق نقلة نوعية في مجرى الصراع الكوردي الداخلي باتجاه المجتمع المتعدد الأقطاب بدلا من القطبين المستحكمين اللتين كانتا في وحدة وصراع مستمر وعلى حساب دماء ودموع ورفاهية شعب كوردستان , واصبح الان بمقدور جهة منظمة باتت تستقطب الكثيرين من ابناء شعب كوردستان ان تقول لهذين الحزبيين السائدين في كوردستان ( لا لسياسة الاقتتال حربا او الابتزاز سلما ومزيدا من الشفافية في التصرف في موارد الاقليم والكف عن ترويج سموم المحسوبية والمنسوبية في كافة مفاصل المجتمع وعلى حساب المواطن الكوردي البسيط , أضافة الى الكف عن سياسة الغموض والصفقات مع القوى العراقية والاقليمية والدولية وبالاخص ما يمت بالصلة الى الثوابت القومية والحقوق المغتصبة) ...

وحينما استطاعت هذه الحركة الفتية المتصاعدة من انتزاع ربع المقاعد النيابية في برلمان اقليم كوردستان في انتخابات تموز عام 2009 , اختارت موقع وموقف المعارضة في ذلك البرلمان , وبرعت في اداء ذلك الدور في تلك الظروف المحددة والمحدودة لمثل هذه المعارضة الوليدة والتي تعتبرها الحزبين الحاكمين امرا غير مقبول وخطا احمر بل وتحديا واضحا لسياساتها وتوجهاتها الأحادية الجانب خاصة بعد ابرام ما سمي بالاتفاقية الااستراتيجية بين الحزبين الكورديين وبعد سنين عجاف من الصراع الدموي وجولات من الاقتتال الداخلي الدموي, بسبب الخلاف على موارد الاقليم الحدودية ابان التسعينييات ... لقد كان اختيار موقف المعارضة في برلمان كوردستان أمرا موفقا وايجابيا وهو الموقف المطلوب في مثل هذه الظروف سواءا على مستوى الاقليم او العراق عموما ...وبعد اجراء الانتخابات في عموم العراق وفوز حركة التغيير بثمان مقاعد في برلمان العراق واختياره العمل بصورة منفردة وخارج نطاق الكتلة التي عرفت( بائتلاف الكتل الكوردستانية) , بسبب عدم تجاوب تلك الكتلة للمطاليب التي تقدمت بها والتي في اغلبها تمثل وتعبر عن طموحات شعب كوردستان وتتناول القضاء على روح التسيب والمحسوبية والمنسوبية وا ستشراء ظاهرة الفسااد المالي والاداري , ولو انها قد اعلنت رسميا بانها ستكون ملتزمة بالمواقف الموحدة مع كتلة الائئتلاف الكوردستاني في الامور التي تخص المصلحة القومية العليا لشعب كوردستان , ولان الموقف المستقل للحركة تعطيها زخما وتستطيع اتخاذ المواقف بارادة حرة , وهو موقف جيد وواضح لابراز دور الحركة الممّيز تكتيكيا واستراتيجيا , وحتى لا تضيع جهود ممثليها وحقيقة مواقفهم في خضم الصراعات الجانبية واجواء المساومات لتلك الكتلة الائتلافية الكوردستانية في بغداد .... اما ما نحن بصدده الأن اي موقفها من المشاركة في التشكيلة الوزارية في بغداد فقد كان من الاجدر بهذه الحركة ان تكون لها موقف صائب ومدروس و اكثر دقة فيما يخص هذا الامر ....اي كان عليها ان ترفض مبدئيا أية مشاركة في تلك التشكيلة الحكوميةوذلك للاسباب التالية :
اولا :
ان مهمة الحركة وواجبها الاساسي في بغداد هوالافادة من التواجد في بغداد لابراز الوجه الحقيقي لحركة التغيير مدافعا امينا عن تطلعات شعبنا الكوردي وخاصة فيما يخص استحصال حقوقه الدستورية المعترفة بها في الدستور العراقي بعيدا عن المزايدات والمساومات السياسية , وليس اشغال احدى كراسي وزارات التشكيلة الجديدة التي ليست في حقيقتها الا تعبيرا مرّكزا عن روح المحاصصة الطائفية والقومية ولم تتشكل اغلبها الا لترضية هذا الطرف او ذاك او لاشباع رغبات البعض من الشخصيات المشاركة في الكتل السياسية المتصارعة فيما بينها ومع الآخرين .
ثانيا:
الكل يعرف عدد المقاعد القليلة التي حصلت عليها الحركة وذلك لاسباب نحن لسنا بصددها الان وهي( ثمانية مقاعد) والتي لو تم احتساب الكراسي الوزارية بموجبها فانها لن تتعدى وزارة او وزارتين قد تكون احدها وزارة دولة , وفي حقيقة الامر ان هكذا وزارات خدمية وهامشية لا اهمية سياسية او تنفيذية لها وهي لا تعدو كونها اكثر من مصيدة ومرتعا للفساد ومكمنا للمحسوبية والمنسوبية السائدة في عمل كل الوزارات العراقية قاطبة, وسوف لن يكن بمقدور (وزير التغيير) ان يكون بمنأى عن تطاير رذاذ ذلك الفساد السائد عليه, تصرفا او اداءا او سمعة , ولم تكن ستجلب لحركة التغيير غير البلاء والانتقادات المجانية التي يبحث عنها اعدء الحركة وبالمنظار المكبر, وكانت ستصبح مجالا خصبا للانتقام او الانتقاص من اداء الحركة في اربيل ومواقفها الانتقادية البناءة هناك , وكل هذا كان سيجبر حتما الحركة ان تكون في موقف المدافع عن نفسها وستشغلها وتدخلها في صراعات جانبية لا ناقة لها ولا جمل وتمنعها عن الافصاح عن أراءها الحرة في المنبر الاكثر تأثيرا (البرلمان العراقي) . ولانها كانت ستعّير باداء الوزارة التي لم تكن هناك بدّ من خلوها من حالات الفساد والرشوة وغيرها من الانحرافات السائدة في عموم العراق .
ثالثا:
ان المشاركة في الوزارة في بغداد في ظل الظروف الآنفة الذكر كان سيعزز الاتهامات الباطلة الموجهة الى حركة التغيير من انها تسعى الى المناصب الحكومية التي تم (حرمانها ) منها حينما كان اغلب اعضائها في داخل تنظيمات الاتحاد الوطني ,على الرغم من بطلان وزيف هذا الادعاء اصلا لان راعي الحركة مثلا كان الشخص الثاني في ذلك الاتحاد وكذلك الكثيرون من اعضاءها البارزين الذين كانوا يحتلون مراكز حزبية وحكومية مرموقة, ولو ان الكثيرين يعتبرون هذه الحقيقة ضعفا في الحركة ويتخوفون من تاثيرات ما يسمى( بالحنين الى موقع الحرس القديم) .
رابعا:
انه لمن التناقض البيّن ان يكون موقف الحركة في بغداد مشاركا وفي اربيل معارضا ,في الوقت الذي تحوز فيها الحركة( بخمس وعشرون )مقعدا في برلمان كوردستان اي ربع المقاعد الكلية تقريبا بالمقارنة مع برلمان بغداد الذي يحتل فيها عّشر هذا العدد , اي كان الاجدى للحركة ان تسعى للحصول على مقاعد وزارية في حكومة كوردستان الاقليمية وفق استحقاقها الانتخابي , وهنالك مجال اوسع لها ان تبرهن على مصداقيتها وعملها الاداري المتميز ويكون نتيجة عملها الخدمة المباشرة لجماهير كوردستان اضافة الى خلق حالة من المقارنة بين اداءها واداء الآخرين المحسوبين على الحزيبن الحاكمين ,فاذا كانت رغم كل هذه الحقائق والفوائد قد اختارت في اربيل موقف المعارضة (وهو موقف صائب) , فلماذا عجبا اذا اختيار تسلم وزارات فارغة المعنى والمحتوى والفائدة لجماهير شعب كوردستان في العاصمة بغداد, اذا لم تكن ذلك بسبب سوء تقدير او نزولا عند رغبة البعض من القياديين في هذ الحركة ممن لازالوا يتوقون الى المناصب والامتيازات اي ان وجودهم في هذه الحركة هو لاستغلالها كفرصة سانحة للوصولية وتحقيق الامتيازات ليس الا !!! .
خامسا:
لو كان موقف الحركة المبدئية منذ البداية نابعة من رفض المشاركة اصلا في التشكيلة الوزارية رغم استحقا قها بموجب عدد مقاعدها لكان ذلك مثار اعجاب وتقدير كل شعب كوردستان ناهيك عن الشعب العراقي عموما ولكان اصوات ممثليها الثمانية في البرلمان العراقي اكثر دوّيا ومصداقية , لكان (جهود) قادة الحزبين الكورديين الذين قد نسقتا مع السيد المالكي في حرمان التغيير من المناصب الوزارية قد ذهبت أدراج الرياح وأصيبت بالخيبة ,ولكانت تلوم نفسها لتلك التنازلات التي ابدتها للمالكي لقاء تلك الخدمة التي لم تاتي حتما اعتباطا او بالمجان .....

سادسا واخيرا
رغم كل ما حدث فان عدم مشاركة التغيير في تلك التشكيلة الوزارية , وكونها حركة تصحيحية لها اهداف استراتيجية لبناء مجتمع مؤسساتي بعيد عن روح المحسوبية والمنسوبية والمحاصصة , وهي تمثل في الوقت نفسه آمال طموحات جماهير شعب كوردستان بالارتقاء في الاداء السياسي الى مستوى رفيع يليق بتضحيات هذا الشعب السخية , اضافة الى كونها مبادرة فريدة في كوردستان والعراق والمنطقة .... فان ما حصل على كل حال يصّب في مصلحة هكذا حركة وسيعزز من موقفها المتميز للدفاع عن حقوق شعب كوردستان وقد تكون كذلك نواة لمعارضة حقيقية ستجتاح كل العراق عاجلا ام آجلا ردّا على الفوضى العارمة التي تجتاح العملية السياسية التي باتت تباشير انحرافاتها تظهر وتبان يوما بعد يوم .... وربّ ضارّة نافعة ....

نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست






کۆمێنت بنووسە