السيد مسعود البارزاني و استفتاء الاستقلال ...!

Tuesday, 09/02/2016, 16:42

1846 بینراوە


مرة اخرى و عشية احتفالات نوروز وكما جرت العادة يصرح السيد مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، عن نيته او رغبته في اجراء استفتاء شعبي لمواطني كوردستان حول موضوع استقلال كوردستان، لقيام اول دولة قومية كوردية ، هذا اذا ما استثنينا جمهورية مهاباد في الشمال الغربي من ايران في عام 1946 والتي لم تدم اكثر من 11 شهرا و لم يدعمها سوى الاتحاد السوفيتي لغايات سياسية بحتة..
في ظل الظروف الطبيعية فليس ثمة ما يدعوا الى الدهشة و الاستغراب لان حق تقرير المصير مكفول في كافة الشرائع المعروفة بما في ذلك لوائح حقوق الانسان العالمية و في بنود المنظمات الدولية. ولكن ما هو الطبيعي هذه الايام في كوردستان و العراق و حتى في الدول الاقليمية التي يمسها هكذا طرح؟!
لقد دئب قادة اقليم كوردستان وفي مقدمتهم فخامة رئيس الاقليم السيد مسعود البارزاني على الايحاء باستقلال الاقليم و كآن مسالة الاستقلال و الانفصال عن العراق متروكة بالتمام و الكمال لرغبة قادة الاقليم. الملمون بالشان السياسي في الاقليم و العراق يعلمون جيدا بانه لو كان الامر هكذا لانفصل الاقليم في نفس اليوم الذي فيه سقطت حكومة بغداد و معها الدولة العراقية في نيسان 2003.
الحقيقة التي يعرفها الجميع و قادة الاقليم اكثر من غيرهم ان مسالة استقلال الاقليم ليست مرهونة لا بحق الكورد المشروع و لا برغبة قادتهم بل تتعلق و بشكل وثيق بمجموعة المصالح الدولية و الاقليمية وبتوازن المعادلة السياسية في الدول الاقليمية و خاصة تلك التي يعيش فيها الكورد كاقليات محرومة من ابسط حقوقها المشروعة كالعراق و تركيا و ايران و سوريا. وبكل تاكيد فان مسالة الاستقلال لا يمكن ان ينظر اليها بمعزل عن احوال السياسة محليا على مستوى اقليم كوردستان نفسه.
المعطيات تشير الى ان توقيت الاستفتاء في غاية من السوء و الخطآء.
  
بكل تاكيد فان تشابك المصالح الدولية في هذه المنطقة  و ما يتبع ذلك من ضرورة توازن المعادلة السياسية الدولية تشكل عقبة رئيسية و حقيقية في طريق استقلال الاقليم. الحالة هذه نكاد نجزم بان قادة الكورد في الاقليم و على راسهم السيد مسعود البارزاني يدركون جيدا ان موضوع الاستقلال غير واقعي وذلك لسبب و الف سبب، وعليه يبقى السؤال الذي يطرح نفسه و بالحاح ... يا ترى لماذا هذا الاستفتاء؟ 
الامر واضح جدا بان السيد البارزاني يريد من اعلان نية اجراء استفتاء الاقليم ان يرسل اكثر من رسالة و لاكثر من جهة.
محليا:
اما داخليا فان مشاكل الاقليم السياسية و الاقتصادية في وضع سيء لكي لا نقول خطير... لعله على راس قائمة ازمة الاقليم نجد الفراغ الدستوري الذي يخيم على الاقليم، حيث ان رئيس الاقليم  يمارس سلطاته حاليا كامر واقع بعد ان انتهت فترة تمديد الرئاسة له في 20 اغسطس الماضي 2015 دون التوصل الى اتفاق سياسي او الدخول في انتخابات رئاسية جديدة.
موظفوا الاقليم لم يستلموا رواتبهم منذ شهر ايلول الماضي و الاعتصامات اصبحت جزء من المشهد السياسي و بات الامر يهدد بالانفجار اذا ما استمرت الحالة على ما هي عليها الان ... بنك كوردستان من الناحية العملية مفلس طالما كان غير قادر على صرف ايداعات المواطنين حسب حاجتهم .... و علاوة على كل هذا انهارت اسعار النفط فلم يعد بمقدور النفط ان يكون ذاك الينبوع الذي يدر على الاقليم ملايين الدولارات ... اما المناخ السياسي في الاقليم فانه على شفير الهاوية واقل ما يقال فيه ان القوى السياسية منقسمة على امور ليست بالثانوية و لا يمكن اخفائها تحت سجادة الخطاب القومي العاطفي ...ساسة الاقليم منقسمين على فريقين يختلفون على شكل ومحتوى الدستور في امور مهمة جدا كمسالة تحديد السقف الاعلى لعدد فترات رئاسة الاقليم وحاجة الاصلاح في صلاحيات رئيس الاقليم الشبه المطلقة من عدمها.  ان ما صرحت بها كتل نيابية كوردية في برلمان العراق لهو تعبير واضح لعمق الخلافات السياسية في الاقليم ... اذ صرحت هذه الكتل بضرورة تفعيل عملية البحث و التفتيش لجرد اموال وممتلكات الزعماء و المسؤولين في الاقليم و العراق ونزولا الى درجة المدير العام، في الخارج و التحقق من مصادر هذه الثروات لهم و لعوائلهم و اقربائهم، في تلميح الى قيادات كوردية متنفذة.
الحالة هذه ... اميل الى الاعتقاد بان الاقليم ليس متفقا في الذهاب باتجاه الاستقلال ، على الاقل في المرحلة الحالية و ان اي اصرار من جهة سياسية معينة  ستكون مغامرة سياسية قد تؤدي الى انقسام الاقليم على ذاته في ادارة تؤيد الانفصال رغم كل شيء و ادارة ترى المصلحة القومية في بقاء الاقليم ضمن العراق التعددى، على الاقل حتى اشعار اخر حيث تتوفر الاجواء السياسية المناسبة محليا و اقليميا و عالميا..
اقليميا:
اما اقليميا ...فان الامر على اقل تقدير لهو اعقد من الوضع المحلي للاقليم ...السؤال هاهنا : على ماذا يعول من يريد الذهاب باتجاه الانفصال؟ هل يعقل ان تصفق تركيا الاردوكانية لقيام الدولة الكوردية على حدودها الجنوبية الملتهبة !!! الاجابة على هذا السؤال تحتمل امرين اولهما قبول السيد اردوكان بالامر وعندها، ليس عاقلا من يصدق بان شروطه لن تكون اقل قساوة على الكورد من تلك السائدة اليوم في اقليم كوردستان العراق. اي انه قبول مرهون بان يكون الاقليم امارة كوردية تركية من الناحية العملية. اما اذا كانت الاجابة بالنفي فسيكون الامر على غاية من المغامرة بالمكاسب المتحققة لحد اليوم، لان الاقليم او بالاحرى الحزب الديمقراطي الكوردستاني سيجازف بحليف فاعل وحيد له في المنطقة ...و الراي عندي ان الحزب لن يقدم على هكذا مغامرة ..
اما ايران التي خرجت للتو من العزلة الدولية و التي فتحت بوجهها ابواب العالم الذي يرى في ايران استثمارات و مزايا اقتصادية هائلة علاوة على انها خرجت منتصرة في معارك الشرق الاوسط السياسية الى جانب حلفائها ... كل هذا يجعل ايران اليوم اقوى من ايران الامس، و اذا ما اضفنا العلاقة المصيرية التي تربط جهات سياسية في اقليم كوردستان العراق مع طهران ناهيك عن الدور الفعال لايران في بغداد و نفوذها الشبه المطلق على شيعة العراق، لن يبقى لنا الا ان نستنتج بان ايران بالكاد ستصفق و تسهل عملية استقلال الاقليم خاصة اذا ما اضفنا بعدا اقليميا اعمق يخص تقارب اقليم منفصل مع تركيا صاحبة الصراع التاريخي الازلي مع ايران.

اما سوريا فليس لديها سوى ما يجعل الشائك اكثر تعقيدا فهي و كرد على التدخل التركي واقليم كوردستان في شؤونها الداخلية قد انتهت الى تفاهمات سياسية غير معلنة عنها مع حزب العمال الكوردستاني المنافس الاقوى لقوى الاقليم السياسية على الساحة القومية و على وجه التحديد للحزب الديمقراطي الكوردستاني. مجرى الاحداث على ارض الواقع قد جعلت من حزب العمال الكوردستاني قوة سياسية و عسكرية لا يستهان بها. اذ تبين انه من انجح الفصائل العسكرية في مواجهة قوات داعش مما فرض نفسه على الساحة الاقليمية وفي معادلة السياسة الدولية و دخل عمليا في التحالف الشرقي (روسيا، ايران، سوريا) ...ساذج من تصور بان هذا الفصيل الثوري سيقبل باي استقلال يشعر بانه على حساب مطامح الشعب الكوردي عموما و اكراد تركيا على وجه التحديد.
هل حقا من الحكمة ان يعول دعاة الاستقلال على الخليج و السعودية في مقدمتها؟!  نرى في ذلك مغامرة سياسية لا يجرىء عليها سوى من كان ناويا على الانتحار السياسي.... فالسعودية متورطة في اليمن ايما تورط  ...وهي اي السعودية تبحث اليوم عن مخرج لها في سوريا يحفظ لها ماء الوجه ...و السعودية متهسترة هذه الايام من الانفتاح العالمي على عدوتها الكبرى ايران بعد ان كانت تحلم بجر امريكا و الغرب الى تورط من نوع التورط العراقي ...الا ان حساباتها فشلت تماما ...فلا الغرب هاجم ايران و لا اسقط لها النظام السوري ....و الان ما هذا الذي ستجنيه السعودية من تحديها الكثير و الكثير من اجل سواد عيون الكورد ؟ هل يا تري بين قادة الاقليم من حقا يراهن على ان يكون الاقليم الشرطي السعودي على حدود ايران الشمالية الغربية؟ نرى في هكذا اعتقاد احلام وردية.
مما تقدم وهناك المزيد و المزيد الذي يصب في خانة الاعتقاد الشبه الجازم بان قيادة الاقليم في اعلى هرمها تدرك اكثر من غيرها بان الاستفتاء ليس الا مورفين (مخدر) قومي عاطفي يراد منه تهدئة النفوس المضطربة و الغاضبة على سياسات الاقليم الفاشلة ...وهذا الادراك نقراه من تعليقات السيد البارزاني حينما يقول بان الاستفتاء، او نتيجته المتوقعة لدى الجميع بان الاكثرية الساحقة سيجيبون بالنعم، ليس ملزما لقيادة الاقليم ....اذن لماذا هذا الاستفتاء الغير الملزم، و الداعين اليه يعرفون مسبقا نتائجه ؟
هذه الدعوة ليست الا زوبعة في فنجان الاقليم المضطرب جدا وتمويه للراي الكوردي العام و تصريف لاهتماماته من ضروريات المرحلة الى احلام اليقظة ... نرى من الاولى، العمل الجاد و الجدي في تناول مشاكل الاقليم السياسية المتآزمة من اجل توحيد الخطاب الكوردي السياسي اولا و كقاعدة صلبة نحو مسالة الاستقلال ....
من الاولى حل مشكلة رئاسة الاقليم و صرف رواتب البيشمه ركه و الموظفين و محاربة الفساد الذي ينخر جسد الاقليم نخرا ... من الاولى انتهاج سياسة اقل تصادمية مع الشركاء و اكثر تصالحية ...متى تبدء مرحلة بناء دولة القانون و المؤسسات ...اوليس كافيا فترة الثلاث عقود ، على الاقل للبدء بهذا الاتجاه؟  
عراقيا:
بغداد اليوم ليس بغداد 2003 فلقد تغير الكثير و الكثير سياسيا و اقتصاديا, فمياه غزيرة جرت تحت الجسور منذ ذلك التاريخ، فهي لا ترى ما تخسره اكثر مما فعلته في تصادم محتمل و من اي نوع كان في المستقبل ... ليس بمقدور بغداد حتى و ان ارادت ان تكون سخية تجاه الاقليم لعيون علاقات شخصية سياسية اصبحت جزء من التاريخ و بغداد تعاني هي نفسها من ازمة انهيار اسعار النفط مما يجعلها بدون شك اكثر تزمتا مع الاقليم.
عرب العراق اعني سنة العراق، سيجدون انفسهم تحت هكذا طرح بين خيارات احلاها مر ...بين استقلال ابعد الى الخيال منه الى الواقع و بين ان يصبحوا اقلية في اقليم كوردستان السني وهذا امر في غاية التعقيد لاسباب قومية و تاريخية...او بين الاصطفاف مع شيعة العراق ضد توجهات الاقليم و ذلك امر على صعوبته ممكن الحدوث في عالم السياسة ....
اذن و بالمختصر المفيد لا يمكن فهم تصريحات السيد مسعود البارزاني بخصوص استفتاء الاستقلال، سوى محاولة لصرف الانظار عن مشاكل الاقليم الحقيقية و المتازمة جدا، و تسويف لهذه المشاكل بدلا من مواجهتها وفتح ابواب الشراكة السياسية الفعلية على الفرقاء السياسيين في الاقليم الذي يمر بمرحلة مصيرية صعبة و خطيرة تحتم على الجميع تحمل مسؤولياتهم  السياسية والاخلاقية للخروج من عنق الزجاجة .... 

نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست






کۆمێنت بنووسە