الكفر والايمان في مسالة استفتاء آل بارزان

Friday, 07/07/2017, 21:13

2075 بینراوە


(1-2)
يبدو أن مسعود بارزاني ماض بعناده في مسألة الإستفتاء المزمع إجراؤه في أيلول القادم لتقرير المصير  دون أن يبالي بالمناشدات المحلية والضغوط الدولية مصرا على مغامرة طائشة تجر على شعبه وبالا، وقد تطيح بالكثير من المكاسب التي حققها الشعب الكردي طوال ثمانين عاما من نضاله القومي التحرري، خصوصا المكاسب التي حققها في الدستور العراقي.
ولقد وصل الأمر بحزبه وإعلامه الى أن يزجا بكل طاقاتهما في معركة الإستفتاء حتى بدا الأمر وكأنه إختيار بين الكفر والإيمان، الكفر بالشعب والإنتماء القومي، أو الإيمان بقدرة بارزاني على تأسيس الكيان القومي المستقل وهو حلم الأكراد الأزلي.فهذا الإعلام الحزبي يوصم كل معارض للإستفتاء بالكفر والخيانة والعمالة والإذلال، ويعتبر الداعمين للبارزاني أناسا وطنيين أقحاح ومخلصين لقضية شعبهم بالإستقلال.
إن دعوة بارزاني للإستفتاء هي"كلمة حق يراد بها باطل"، فهو يستغل النزعة القومية لدى الشعب الكردي فقط للحصول على مجد شخصي له وتحقيق بعض المكاسب الحزبية الضيقة من دون أي حساب لما قد ينجم عن هذا العمل من إستفزاز لدول الإقليم وقد يؤدي الى تغيير الحكومة العراقية لكامل حساباتها تجاه الإقليم وتصفية كل أوجه التعاون والشراكة ووحدة المصير مع الشعب الكردي الذي يعتبر شريكا بالحكم في العراق.
وبحسب المؤشرات المتجسدة في موقف الأطراف الرئيسية الأخرى بإقليم كردستان فيما يتعلق بجدوى تنظيم هذا الإستفتاء، وفي مقدمته موقف الشعب عموما الذي يئن من الجوع والفاقة والحرمان حتى من الكهرباء والماء في مثل هذه الظروف العصيبة، فإن الغالبية من الشعب وقواه السياسية ترفض خوض هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر في هذا الظرف رغم أن الدعوة الى حق تقرير المصير كان من أولويات العديد من هذه القوى الرافضة منها (الإتحاد الوطني وحركة التغيير ) وأن الشعب برمته سبق وأن أدلى برأيه في إستفتاء عام 2005 حين صوت بنسبة 98 بالمائة لصالح الإستقلال.هذا الإصرار العنيد من مسعود بارزاني ومخالفته لرغبة شعبه وقواه السياسية لا ينم عن شيء سوى تحقيق بعض المكاسب الحزبية الضيقة، سنجملها فيما يأتي:
أولا" كما صرح هو والكثير من أعوانه بأن الهدف من الإستفتاء ليس سوى الحصول على ورقة ضغط لإستخدامها في التفاوض مع بغداد.. وهذا يعني بالتأكيد أن الإستفتاء هو لمجرد كسب حزبي وليس تحقيق أماني الشعب بالإستقلال.فهو يريد بذلك أن يعيد وزرائه المطرودين من بغداد بسبب الفساد، وأن يحصل على مناصب وإمتيازات أخرى.
ثانيا: تعزيز وتثبيت سلطته الدكتاتورية في إقليم كردستان من خلال إظهار نفسه كبطل للإستقلال وضرورة أن يمشي الكل في كردستان ورائه ويمتثل لأوامره وسياساته الداخلية والخارجية.
ثالثا: إستغفال الشعب من خلال الإستفتاء للتغطية على إنقضاء مدة ولاياته القانونية وغير القانونية وإسكات الدعوات التي تطلقها الأطراف السياسية بضرورة تغيير نظام الحكم الإستبدادي الرئاسي الحالي الى النظام البرلماني، وإظهار مسعود بارزاني كبطل للإستقلال وعلى الشعب أن لايفكروا بتغييره حتى يتمكن من إنشاء دولته المزعومة.
رابعا: التغطية على فشل حكومة حزبه في تأمين أبسط مستلزمات الحياة الإنسانية للشعب الكردي الذي قطعت رواتب موظفيه وإنعدمت أمامه الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والمشاريع الخدمية الإنمائية.
خامسا: التغطية على فشل سياساته النفطية التي أفقرت الشعب وأدت بالإقليم الى أن يرزح تحت وطأة ديون تفوق 30 مليار دولار بسبب الإستحواذ على الثروة النفطية وسرقة إيراداتها..
سادسا: الإستفراد بالملف العراقي من خلال تنصيب نفسه زعيما أوحدا للشعب الكردي وأن كل ما يتعلق بالعلاقة بين بغداد وأربيل وحل مشاكلهما يجب أن يكون مرجعه شخص مسعود بارزاني، وهذا يعني تهميش وإقصاء جميع القوى السياسسية الكردستانية من مرجعية القرار السياسي.
سابعا:الإستعلاء على البرلمان وإنتهاك القوانين التي تحدد المراجع الأساسية للقرارات المصيرية والترخيص لنفسه بإصدار القرارات حتى لو كانت قرارات حزبية لها قوة قانونية مزيفة، منها قراره الحزبي بتنظيم الإستفتاء من دون صدور قانون برلماني ينظم ذلك.
ويبدو أن مسعود بارزاني قد قدم ضمانات مكتوبة لدول الإقليم بأن هذا الإستفتاء ليس هدفه الإنفصال عن العراق أو إعلان الإستقلال، بدليل أن الرئيس التركي أردوغان قال بصراحة ووضوح" أنه تلقى ضمانات من مسعود بارزاني بأن الاستفتاء لايهدف الى الإستقلال". وقد تكون إيران قد تلقت ضمانة مكتوبة أيضا، وكذلك الدول الكبرى التي تعارض تنظيم الإستفتاء، وهذا يعني بالتأكيد إفراغ الإستفتاء من مضمونه الأساسي وهو تحقيق الإستقلال، وبذلك تكون الخطوة مجرد محاولة للكسب الحزبي ليس إلا.
يريد مسعود بارزاني أن يستغل هذا الموضوع لإطالة أمد حكمه بكردستان، فهو يسعى بالعزف على الوتر القومي أن يحصل من شعبه على تفويض حتى لوكان بالتزوير وتزييف نتائج الإستفتاء وهذا أمر محتم لأن المفوضية التي تقوم بتنظيم الإستفتاء هي من أعوانه ولا نستبعد أن تعلن نتيجة غير التي صوت بها الشعب، وسيستخدم بارزاني هذا التفويض المزور لكي يقول لشعبه بأنه يسعى الى تحقيق الإستقلال وعليهم أن يعطوه فرصة للبقاء في منصبه لكي يتفاوض مع الحكومة العراقية والدول الإقليمية الكبرى لتحقيق هذا الحلم، وبالطبع ستطول المفاوضات لعشرات السنين يأتي بعده أبنائه ليستكملوا مسيرته، فنحن نعلم بأن المفاوضات بين أربيل وبغداد حول المادة 140 إستمرت منذ 12 عاما دون أن تحقق ولو خطوة واحدة الى الأمام، فكيف الحال حين يتفاوض الطرفان حول الإستقلال والإنفصال؟.
هذه اللعبة القذرة باتت معالمها تتكشف يوما بعد يوم، فلا هي من أجل مصلحة الشعب، ولا هي لتأسيس دولة محترمة التي ناضل من أجلها الشعب الكردي جيلا بعد جيل، ومن هنا نكتشف الموقف المخزي لإعلام حزب بارزاني وقادته حين يوصمون كل معارض للإستفتاء بالكفر بالقومية، ويظهرون أنفسهم المؤمنين الوحيدون بحق الشعب في الإستقلال.وهم لا يعلمون بأن الإستفتاء يعني التعبير الحر عن الرأي وخاصة في مسألة كبيرة بهذا الحجم، وإلا فما الداعي الى الإستئناس برأي الشعب ماداموا قد قرروا الإنفصال؟!.
 
 
الكفر والايمان في مسالة استفتاء آل بارزان
(2-2)
شيرزاد شيخاني
حق تقرير المصير كان الهدف الأسمى لكل القوى السياسية الكردية التي خاضت نضالها القومي منذ أواخر القرن التاسع عشر.وقد أطلقت تفسيرات عديدة لهذه المسألة وحسب الظروف التي أحيطت بالقضية الكردية التي برزت بكل وضوح في القسم الجنوبي من كردستان الكبرى، ونعني به كردستان العراق. فالشيخ محمود الثائر الكردي الذي أعلن الثورة ضد الحكومة العراقية والإنكليز لم يتردد في ظروف متاحة أن يعلن نفسه ملكا على كردستان ويشكل حكومة محلية في منطقة السليمانية. وفي الطرف الآخر ناضل الشعب الكردي في كردستان الإيرانية من أجل حقوقهم القومية ونجحوا في تأسيس جمهورية مهاباد الكردية عام 1946. وهذان كيانان أسقطا من الخارج، أي بتعاون النظام الحاكم فيهما مع القوى الخارجية،وهذا سيكون تهديدا قائما في كل الأحوال..أما في الجزء التركي فلم يتوقف الكفاح الكردي لنيل الحقوق القومية ومازال حزب العمال الكردستاني يسعى الى تحقيق تلك الحقوق. وفي كردستان الغربية السورية كانت هناك أيضا أحزاب كردية تسعى لنيل شعبها حقوقه القومية،ولكن مع نشوء حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي قبل سنوات قليلة حقق الشعب الكردي هناك طفرة نوعية بإتجاه الحصول على حقوقه، حتى غدى اليوم هو القوة الرئيسية التي تقود النضال الكردي بذلك الجزء.
أعلن الملا مصطفى البارزاني ثورته في كردستان العراق عام 1961 رافعا شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان)، وإستمر على هذا الشعار رغم إمتلاكه قبيل إعلان سقوط ثورته في 6 آذار 1975 لأكثر من 300 ألف مقاتل يرابطون في جبال كردستان ويسيطرون على معظم مناطقها ولديهم أسلحة متقدمة ويتلقون الدعم الكامل من نظام الشاه وبعض الدعم من أمريكا وإسرائيل، ومع ذلك إستسلم البارزاني الأب لإرادة الشاه الذي رأى من مصلحته التصالح مع نظام البعث العراقي، فإنهى البارزاني الأب ثورته ضد النظام العراقي.
وحين تسلم مسعود بارزاني قيادة حزبه ظل متحالفا مع إيران الخمينية مكتفيا بالمطالبة بحق الحكم الذاتي، وحين نجحت  إنتفاضة الشعب الكردستاني في آذار 1991 وتم طرد القوات العراقية من جميع مناطق إقليم كردستان الحالية وتحرير كردستان من قبضة النظام البعثي لم يجرؤ مسعود بارزاني بالدعوة للإستقلال، بل جعل شعاره الأثير (الحكم الذاتي) هو الدعاية الإنتخابية لحزبه لإنتخابات برلمان كردستان عام 1992، في حين أن الإتحاد الوطني دعا الى  الفدرالية وهو أول حزب سياسي كردي يدعو الى تحقيق المصير وجعله شعارا أساسيا لحزبه منذ تأسيسه عام 1975.
وبعد سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 كانت هناك فرصة أخرى لإعلان الإستقلال حيث كان الكرد القوة الأكثر تنظيما وتأثيرا في العراق حينذاك، ولكن مسعود بارزاني هو أول من إلتحق ببغداد وسعى مع حكومة الإحتلال لوضع الدستور العراقي الموحد ووضع توقيعه عليه معلنا إتحاد إقليم كردستان مع العراق الجديد.
ولذلك فإن حق تقرير المصير هو شعار جديد يسعى بارزاني لتحقيقه في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية غير مؤاتية، لا لشيء سوى لتحقيق بعض المكاسب الحزبية وهذا ما قاله بصراحة ووضوح في لقاءاته الصحفية حين أكد بأن الإستفتاء لايهدف الى الإنفصال عن العراق وإستقلال الشعب الكردي؟!.
المهم في كل هذا أن الظروف الحالية لاتساعد على تحقيق هذا الحلم الكردي الأثير بالإستقلال وتأسيس الدولة المستقلة، ففي الجانب المحلي هناك إنقسام كبير بين الأحزاب والقوى السياسية، فحزب بارزاني وبعض الأحزاب الكرتونية الصغيرة تقف في جهة وتسعى الى تثبيت حكم دكتاتوري قمعي تسلطي، وفي الجانب الآخر تقف معظم القوى السياسية الرئيسية التي تدعو الى نظام برلماني تعددي ينتخب الرئيس من داخله ويكون هناك تداول سلمي للسلطة مع ضمان تحويل تلك السلطة الى سلطة الشعب من خلال إعطاء دور أكبر للبرلمان وتأسيس حكومة المواطنة بديلا عن حكومة اللون الواحد.
وعلى الصعيد الإقليمي،هناك تركيا وإيران اللتان تعاديان الى حد العظم تطلعات الشعب الكردي بالإستقلال، حتى أن هاتين الدولتان تهددان بفرض حصار إقتصادي وسياسي على إقليم كردستان في حال أعلن الإستقلال وهذا يعني الموت المؤكد جوعا للشعب الكردي لأن 99 بالمائة من غذاء الشعب تأتي من هاتين الدولتين حاليا كنتيجة للسياسات التدميرية لإقتصاد الإقليم من قبل حزب بارزاني.وجدير بنا أن نشير هنا الى تصريح أدلى به بارزاني مؤخرا والذي لايليق بزعيم يقود شعبه نحو التحرر، حين قال" سنعلن دولتنا وليمت شعبنا جوعا"؟؟؟!!!!.
وأما على الصعيد الدولي فإن العالم برمته مشغول حاليا بالحرب ضد داعش والإرهاب العالمي الذي لن ينتهي طبعا بإنتهاء داعش، وأن الجهود الدولية منصرفة حاليا في المنطقة لدعم إستقرارها وليس تفتيت دولها وخلق صراعات إقليمية جديدة العالم في غنى عنها حاليا، وبذلك فإن المواقف الدولية ( أمريكا وروسيا وبريطانيا وألمانيا والإتحاد الأوروبي) تدعو الى عدم الإقدام على هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، فهل سيرجع بارزاني الى رشده ويأخذ كل هذه الظروف المحيطة به بنظر الإعتبار، ويعود الى صف شعبه وقواه السياسية ليصرف جهوده لأجل إنهاض الإقليم وحل مشاكل مواطنيه والمصالحة مع شعبه عن طريق تحسين ظروفه المعيشية والخدمية، ويعمل من أجل بناء محطات الكهرباء وشبكات الطرق وتوفير المياه الصالحة للشرب من خلال مصالحة حقيقية مع بغداد وحل مشاكله معها لكي تعود ميزانية الإقليم الى ماكانت عليه وتستخدم لدفع رواتب الموظفين المقطوعة وتخصيص الموارد للبنى التحتية، أو سيمضي في عناده ليسير بالإقليم الى مصير قاتم بكل تأكيد؟. هذان هما الخياران المتاحان حاليا أمام البارزاني، فلننتظر..

نووسەرەکان خۆیان بەرپرسیارێتی وتارەکانی خۆیان هەڵدەگرن، نەک کوردستانپۆست






کۆمێنت بنووسە